الطريق إلى الصمت.. عزلة النساء المتعلمات في إيران أزمة اجتماعية متفاقمة

الطريق إلى الصمت.. عزلة النساء المتعلمات في إيران أزمة اجتماعية متفاقمة
عزلة النساء المتعلمات في إيران

يعكس واقع النساء المتعلمات في إيران مفارقة قاسية؛ فبدل أن يشكّل التعليم بوابةً للتمكين والمشاركة، تحوّل لدى ملايين النساء إلى مسارٍ يقود نحو العزلة المنزلية والإقصاء الاجتماعي.

تكشف هذه الظاهرة التي تتجاوز الحالات الفردية، فشلاً عميقاً في العدالة الاجتماعية والاقتصادية، حيث تدفع بنية التمييز الجندري والبطالة البنيوية وجمود السياسات العامة النساء المتعلمات إلى الهامش، رغم امتلاكهن رأس مال علمي وثقافي كان يمكن أن يكون رافعة للتنمية، بحسب ما ذكرت وكالة “أنباء المرأة”، اليوم الثلاثاء.

وتعيش في مدن إيرانية كثيرة نساء يحملن شهادات جامعية، لكنهن محاصرات خلف أبواب المنازل، لا يواجهن البطالة وحدها، بل اكتئاب خفي لا يعترف به النظام الرسمي.

ويفرض النظام السياسي - الاجتماعي القائم على النظرة الأبوية اختزال دور المرأة في المجال المنزلي، ويعد عملها تهديدًا ثقافيًا، ما يفصل التعليم عن سوق العمل، ويحوّل الشهادة من أداة تحرر إلى مصدر إحباط ومقارنة مؤلمة بين الطموح والواقع.

ولا ينشأ هذا الاكتئاب من ضعف فردي، بل من قمع مستمر لرغبة المشاركة، وإهدار منهجي للقدرات، وإجهاض متكرر للطموحات، في الظاهر تبدو الحياة عادية، لكن في العمق تتراكم مشاعر اللاجدوى والقلق وأزمة الهوية، ويتحوّل المنزل إلى سجن اجتماعي مغلق.

رأس مال ثقافي معطَّل

يُنتج النظام السياسي - الاجتماعي في إيران شرخًا جماعيًا لدى النساء المتعلمات بين ما يمتلكن من معرفة وما يُسمح لهن بتحقيقه.

ويصطدم هذا الجيل بجدار من التمييز، والحصص الجندرية، والوصاية الذكورية، ليصبح الرصيد الثقافي والعلمي الذي كان يمكن أن يحرّك الاقتصاد والفكر رأس مال خاملاً مُحبطًا.

وتتجسد هنا لاعدالة بنيوية عميقة تُبقي النساء معلّقات بين الممكن والممنوع، حيث يُفرَّغ التعليم من جدواه، وتُجهَض الأحلام، ويحرق المجتمع أحد أهم موارده البشرية داخل سجن الأيديولوجيا.

تآكل وأزمة هوية

تدفع السياسات التمييزية النساء المتعلمات، خاصة من الطبقة الوسطى في المدن، إلى مأزق مزدوج: عجز عن كسر “السقف الزجاجي”، وحرمان من المشاركة المتكافئة في سوق العمل.

ولا يمثّل هذا الانسداد خللًا اقتصاديًا فحسب، بل نتاج رؤية أيديولوجية ترى المرأة أداة ضبط اجتماعي لا قوة إنتاجية.

ويترجم هذا الواقع إلى تآكل نفسي صامت: اكتئاب خفي، فقدان معنى، وشعور دائم بعدم القيمة، تحت ضغط التوافق القسري مع أدوار جندرية تقليدية وغياب أي أفق مهني أو مدني.

بنية غير متكافئة

تكشف ظاهرة بقاء النساء المتعلمات في المنازل بنية غير متكافئة تقوم على التمييز الجندري والاقتصاد الريعي وقمع المشاركة الاجتماعية.

وتُعيد الدولة إنتاج هذا التناقض عبر أدوات أيديولوجية مثل تمجيد الأمومة، فرض الحجاب، وتقييد النشاط المدني؛ لتستبدل صورة المرأة المستقلة بصورة المرأة المطيعة، فيتحول التعليم إلى مسار مسدود بدل أن يكون أداة تمكين.

وتؤكد البيانات أن هذه العزلة ليست اختيارًا فرديًا، بل نتيجة مباشرة لأزمة هيكلية. فوفق بيانات البنك الدولي لعام 2023، لا تتجاوز مشاركة النساء في سوق العمل الإيراني 13–15% مقابل أكثر من 65% للرجال.

شهادة جامعية بلا عمل

تشير الأرقام إلى أن معدل البطالة بين النساء الجامعيات يبلغ نحو 20%، أي إن واحدة من كل خمس نساء تحمل شهادة جامعية بلا عمل، في حين تشكّل النساء ما بين 70 و72% من إجمالي العاطلين المتعلمين وفق بيانات رسمية لعام 2025.

ولا تمثّل هذه النسب مؤشرات اقتصادية فقط، بل دليل على أزمة جندرية عميقة تُقصي النساء المتعلمات من المجال العام، وتدفع بهن نحو العزلة أو العمل الهش وغير الآمن.

وتنتهي هذه القصة عند حدود المجتمع كله، لا عند النساء وحدهن. فلا يمكن لأي مجتمع أن يحقق تنمية مستدامة وهو يحبس نصف رأس ماله الفكري خلف جدران المنازل.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية